1

ما أهمية اسم الله "الرحمن" في تاريخ الإسلام؟


إسم الله "الرحمن" له مكانة خاصة في القرآن الكريم، كما تدل على ذلك البسملة التي تتصدر السور وسورة الرحمن والكثير من الآيات.  أما قريش فكانت لهم مشكلة مع هذا الإسم بالذات بسبب العصبية، لأنهم كانوا يعتبرون الرحمن إلاها لجيرانهم بني حنيفة، وليس إسما من أسماء الله الحسنى. فكبرياؤهم واعتزازهم بأنفسهم لايسمح لهم بأن يغيروا دينهم ويعبدوا إلاه قوم آخر، ولا سيما أنهم كانوا يعلمون أن النبي ص كان على اتصال مع مسيلمة نبي بني حنيفة. ولهذا كانت معارضتهم للرسول شديدة جدا، فكانوا يؤذونه ويعذبون أتباعه حتي بلغ بهم الأمر إلى التآمر على قتله مما اضطره إلى الهجرة. فالهجرة لم تحدث إلا بسبب رفض قريش لاسم الله "الرحمن".

يقول الدكتور جواد علي في كتابه : المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام :

[... وذكر المفسرون في تفسير قوله تعالى : { وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا }  ، أن مسيلمة كان يُدعى الرحمن . فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، اسجدوا للرحمن قالوا : أنسجد لما يأمرنا رحمن اليمامة يعنون مسيلمة بالسجود له. أو أنهم قالوا : ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة . يعنون مسيلمة "الكذاب".]

وفي تفسير القرطبي لسورة الرحمن نجد:

[وقيل: نزلت جوابا لأهل مكة حين قالوا: إنما يعلمه بشر وهو رحمن اليمامة، يعنون مسيلمة "الكذاب"، فأنزل الله تعالى: "الرحمن. علم القرآن"].

وعن أصل كلمة "الرحمن" يقول صاحب المفصل:

[ولما أراد الملك "شرحبيل يعفر بن أبي كرب أسد" "ملك سباً وذو ريدان وحضرموت ويمنت و أعرابها في الجبال والسواحل" بناء السدّ، أمر بنقش تاريخ البناء على جداره. وقد عثر عليه، وإذا به يقول: إن العمل كان في سنة 564-565 الحميرية، وهذا يوافق عامي 449-450 من الأعوام الميلادية. وبعد ثماني سنوات من هذا التأريخ، أي في عام 457-458 من التأريخ الميلاديَ "572 - 573 حميري"، وضع عبد كلال نصاً تاريخياً يذكر فيه أسم "الرحمن"، ولهذين النصين أهمية عظيمة جدا من الناحية الدينة. يذكر النص الأول "إله السماوات والأرضين"، ويذكر الثاني "الرحمن". وتظهر من هذه الإشارة فكرة التوحيد على لسان ملوك اليمن وزعمائها.
...

وأما عبادة "الرحمن" "رحمنن"، فهي عبادة توحيد، ظهرت من جزيرة العرب فيما بعد الميلاد. وقد وردت كلمة "رحمنن"، أي "الرحمن"، في نص يهودي كذلك وفي كتابات "ابرهة"، ووردت في نصوص عربية جنوبية أخرى وفي نصوص عثر عليها في أعالي الحجاز. وقد كان أهل مكة على علم بالرحمن، ولا شك، باتصالهم باليمن وباليهود. وإن ذكر علماء اللغة أو علماء التفسير أن اللفظة لم تكن معروفة عند أهل مكة في الجاهلية.
وقد جاء في النص اليهودي المذكور: "الرحمن الذي في السماء واسرائيل وإلهَ اسرائيل رب يهود". وقد حمل هذا النص بعض الباحثين على القول بأن العرب الجنوبيين قد أخذوا هذه الكلمة وفكرتهم عن الله من اليهودية، وان فكرة التوحيد هذه إنما ظهرت بتأثر اليهودية التي دخلت إلى اليمن. غير ان من الباحثين من رأى خلاف هذا الرأي. رأى ان افتتاح النص بذكر الرحمن، ثم اشارته بعد ذلك إلى إلهَ يهود، وورود كلمة "الرحمن" في نص آخر يعود إلى سنة "468" للميلاد. كتبه صاحبه شكراً للرحمن الذي ساعده في بناء بيته: كل هذه وأسباب أخرى، تناقض رأي القائلين بأن عقيدة الرحمن عقيدة اقتبست من اليهود.

وقد ذكر بعض علماء اللغة ان "الرحمن" اسم من أسماء الله مذكور في الكتُبِ الأُوَل، وأن اللفظة عبرانية الأصل، وأما "الرحيم" فعربية. وذكروا ان "الرحمن" اسم مخصص باللَه، لا يجوز أن يسمى به غيره. وقد أنشدوا للشنفرى أو لبعض الجاهلية الجهلاء: ألا ضربت تلك الفتاة هجينهـا  ألا قضب الرحمن ربي يمينها.
فيظهر من هذا البيت أن الشاعر كان يدين بعبادة الرحمن. ونجد مثل هذه العقيدة في قول سلامة بن جندل الطهويّ: عجلتم علينا عجلتينا عليكـم  ومايشأ الرحمن يعقد ويطلق.
فإن ذلك يعني أن قوماً من الجاهليين كانوا يدينون بعبادة "الرحمن". ومما يؤيد هذا الرأي ما ورد من أن بعض أهل الجاهلية سموا أبناءهم عبد الرحمن، وذكروا أن "عامر بن عتوارة" سمى ابنه "عبد الرحمَن".
وقد وردت لفظة "الرحمن" في شعر ينسب إلى "حاتم الطائي" هو:
كلوا اليوم من رزق الإلهَ وأيسروا  وإن على الرحمان رزقكم غـداَ.
وحاتم من المتألهة، ويعده البعض من النصارى و "الرحمن" نعت من نعوت الله في النصرانية، من أصل "رحمونو"، Rahmono، فهل عبر شاعرنا بهذه اللفظة عن هذا المعنى النصراني ؟

ويرى المستشرقون ان عبادة "الرحمن" "رحمنن"، إنما ظهرت بين الجاهليين بتأثير دخول اليهودية والنصرانية بينهم.

وقد ذكر "اليعقوبي" أن تلبية "قيس عيلان"، كانت على هذا النحو: "لبيك اللهم لبيك، لبيك أنت الرحمان، أتتك قيس عيلان،....


...  وأرى أن "مسيلمة" كان قد دعا إلى عبادة الرحمن متأثراً بدعوة المتعبدين له ممن كان قبله على ما يظهر، وهي عبادة إلهٍ اسمه "الرحمن" فعرف مسيلمة ب "الرحمن" وب "رحمن اليمامة". وعبادة الرحمن ديانة متأزرة بفكرة التوحيد، وبوجود إله واحد هو "الرحمن" رب العالمين..]