فضيحة صبيغ

فضيحة صبيغ


قصة صبيغ مع عمر بن الخطاب معروفة ومشهورة

(1)
...عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ : أَنَّ صَبِيغ الْعِرَاقِيَّ ، جَعَلَ يَسْأَلُ عَنْ أَشْيَاءَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي أَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى قَدِمَ مِصْرَ فَبَعَثَ بِهِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، فَلَمَّا أَتَاهُ الرَّسُولُ بِالْكِتَابِ فَقَرَأَهُ ، قَالَ : أَيْنَ الرَّجُلُ ؟ قَالَ : فِي الرَّحْلِ ، قَالَ عُمَرُ : أَبْصِرْ أن يَكُونُ ذَهَبَ فَتُصِيبكَ مِنِّي به الْعُقُوبَةُ الْمُوجِعَةُ ، فَأُتِيَ بِهِ ، فَقَالَ عُمَرُ : سَبِيلُ مُحْدَثَةٍ ، فَأَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى رَطَائِبَ مِنْ جَرِيدٍ ، فَضَرَبَهُ بِهَا حَتَّى نَزَلَ ظَهْرُهُ دِبَرَةً ، ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى بَرَأَ ، ثُمَّ عَادَ لَهُ ، ثُمَّ تَرَكَهُ حَتَّى بَرَأَ ، فَدَعَا بِهِ لِيَعُودَ ، فَقَالَ صَبِيغٌ : إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ قَتْلِي فَاقْتُلْنِي قتلا جميلا ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُدَاوِيَنِي فَقَدْ وَاللَّهِ بَرِئْتُ ، فَأَذِنَ لَهُ إِلَى أَرْضِهِ ، فَكَتَبَ إِلَى مُوسَى الأَشْعَرِيِّ : أَنْ لا يُجَالِسَهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الرَّجُلِ، فَكَتَبَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ إِلَى عُمَرَ : أَنْ قَدْ حَسُنت توبَتهُ فَكَتَبَ عُمَرُ : أَنِ ائْذنْ لِلنَّاسِ بِمُجَالَسَتِهِ .
---------------------
(2)
 ...عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، قَالَ : جَاءَ الصَّبِيغُ التَّمِيمِيُّ إِلَى عُمَرَ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، أَخْبِرْنِي عَنْ وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (سورة الذاريات آية 1 )، قَالَ : هِيَ الرِّيحُ ، وَلَوْلا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ مَا قُلْتُهُ ، قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنْ فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا (سورة الذاريات آية 2 )، قَالَ : السَّابِحَاتُ السَّحَابَ ، وَلَوْلا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَا قُلْتُهُ . قَالَ : فَأَخْبِرْنِي عَنْ فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (سورة الذاريات آية 3 )، قَالَ : هِيَ السُّفُنُ ، وَلَوْلا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ مَا قُلْتُهُ ، قَالَ : فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ فَضُرِبَ مِائَةً ، وَجُعِلَ فِي بَيْتٍ ، فَإِذَا بَرِئَ دَعَا بِهِ فَضُرِبَ مِائَةً أُخْرَى ، ثُمَّ حَمَلَهُ عَلَى قَتَبٍ ، وَكَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى : حَرِّمْ عَلَى النَّاسِ مُجَالَسَتَهُ ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى أَتَى أَبَا مُوسَى ، فَحَلَفَ لَهُ بِالأَيْمَانِ الْمُغَلَّظَةِ مَا يَجِدُ فِي نَفْسِهِ مِمَّا كَانَ شَيْئًا ، فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ مَا أَخَالُهُ إِلا قَدْ صَدَقَ ، فَخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُجَالَسَةِ النَّاسِ . https://library.islamweb.net/hadith/display_hbook.php?indexstartno=0&hflag=&pid=382621&bk_no=798&startno=5

---------------------

(3)
... عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ ، " أَنَّ رَجُلا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ يُقَالُ لَهُ : صَبِيغُ بْنُ عَسَلٍ ، قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، وَكَانَتْ عِنْدَهُ كُتُبٌ ، فَجَعَلَ يَسْأَلُ عَنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَبَعَثَ إِلَيْهِ وَقَدْ أَعَدَّ لَهُ عَرَاجِينَ النَّخْلِ ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ جَلَسَ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : مَنْ أَنْتَ ؟ فَقَالَ : أَنَا عَبْدُ اللَّهِ صَبِيغٌ ، فَقَالَ عُمَرُ : وَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ عُمَرُ ، ثُمَّ أَهْوَى إِلَيْهِ فَجَعَلَ يَضْرِبُهُ بِتِلْكَ الْعَرْجِينَ ، فَجَعَلَ الدَّمُ يَسِيلُ عَلَى وَجْهِهِ ، فَقَالَ : حَسْبُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَقَدْ وَاللَّهِ ذَهَبَ الَّذِي كُنْتُ أَجِدُ فِي رَأْسِي " .


قال: وَكَانَتْ عِنْدَهُ كُتُبٌ، ولم يذكر أي كتب كانت عنده، رأيي أنها صفحات من قرآن مسيلمة.

صبيغ كان يملك وثائق وحججا تبين أن بعض الآيات من قرآن مسيلمة حاضرة في المصحف القرآني المتداول فأراد عن حسن نية أن ينبه الناس إلى ذلك، لم يكن واعيا بخطورة الأمر، وقد أقنعه عمر بن الخطاب بطريقته الخاصة أن ينسى ويبتعد عن تلك الأمور، من حسن حظ صبيع أن هذه الحادثة لم تقع زمن أبي بكر.

لا شك أن سورة الذاريات مثلا تتضمن آيات من قرآن مسيلمة، لكن قريشا لا يمكنها أن تقبل بذلك، ومن أجل ذر الرماد على العيون أنشؤوا آيات مضحكة على منوالها نسبوها إلى مسيلمة، كقولهم:


والمبذرات زرعا، والحاصدات حصدا، والذاريات قمحا، والطاحنات طحنا، والخابزات خبزا، والثاردات ثردا، واللاقمات لقما، إهالة وسمنا، لقد فضلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر، ريفكم فامنعوه، والمعتر فآووه، والباغي فناوئوه.
---------------------

 (4)
... عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ : أَنَّ رَجُلا قَالَ لِعُمَرَ : إِنِّي مَرَرْتُ بِرَجُلٍ يَسْأَلُ عَنْ تَفْسِيرِ مُشْكِلِ الْقُرْآنِ ، فَقَالَ عُمَرُ : اللَّهُمَّ أَمْكِنِّي مِنْهُ ، فَدَخَلَ الرَّجُلُ عَلَى عُمَرَ يَوْمًا وَهُوَ لابِسٌ ثِيَابًا وَعِمَامَةً ، وَعُمَرُ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ، فَلَمَّا فَرَغَ قَامَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، مَا وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا سورة الذاريات آية 1 ؟ فَقَامَ عُمَرُ فَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ وَجَعَلَ يَجْلِدُهُ ، ثُمَّ قَالَ : أَلْبِسُوهُ ثِيَابًا وَاحْمِلُوهُ عَلَى قِتْبٍ ، وَأَبْلِغُوا بِهِ حَيَّهُ ، ثُمَّ لِيَقُمْ خَطِيبٌ فَيَقُلْ : إِنَّ صَبِيغًا طَلَبَ الْعِلْمَ وَأَخْطَأَهُ ، فَلَمْ يَزَلْ وَضِيعًا فِي قَوْمِهِ ، بَعْدَ أَنْ كَانَ سَيِّدًا فِيهِمْ .
---------------------
(5)
... عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ ، قَالَ : سَأَلَ رَجُلٌ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، عَنْ وَالنَّازِعَاتِ ، وَالْمُرْسَلاتِ ، وَالذَّارِيَاتِ أَوْ بَعْضِهِنَّ ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : ضَعْ عَنْ رَأْسِكَ ، فَإِذَا بِالْوَفْرَةِ ، وَقَالَ ابْنُ مُطْعِمٍ : فَإِذَا لَهُ وَفْرَةٌ ، فَقَالَ عُمَرُ : أَمَا وَاللَّهِ لَوْ رَأَيْتُكَ مَحْلُوقًا لَضَرَبْتُ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاكَ ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ أَوْ إِلَيْنَا : لا تُجَالِسُوهَ ، قَالَ : فَلَوْ جِئْنَا وَنَحْنُ مِائَةٌ لَتَفَرَّقْنَا.

-  ذِكْرُ الوفرة في هذا الحديث كَذِبٌ من أجل لفت الإنتباه عن الحقيقة.
---------------------
(6)
... عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ ، قَالَ : كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ : لا تُجَالِسُوا صَبِيغًا ، فَلَوْ جَاءَنَا وَنَحْنُ مِائَةٌ لَتَفَرَّقْنَا عَنْهُ ، وَرُبَّمَا قَالَ : لَمَا جَالَسْنَاهُ .
-  أمرهم أن لا يجالسوه حتى لا يفضح جريمتهم التي اقترفوها في حق مسيلمة وقومه.
---------------------
(7)
... عَنْ مُحَمَّد بْنِ سِيرِينَ ، قَالَ : كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ : أَنْ لا يُجَالَسَ صَبِيغٌ ، وَأَنْ يُحْرَمَ عَطَاءُهُ وَرِزْقُهُ.
---------------------
 (8)
... عن زرعة قال : رأيت صبيغ بن عسل بالبصرة كأنه بعير أجرب يجيء إلى الحلقة ويجلس وهم لا يعرفونه فتناديهم الحلقة الأخرى : عزمة أمير المؤمنين عمر،  فيقومون ويدعونه.
 هل يعقل أن يكون كل هذا لمجرد سؤاله عن معنى آيات من القرآن الكريم ؟


ألا يحث القرآن الكريم على التدبر في آياته ؟
---------------------
(9)
... عن أبي إسحاق ، أن عمر كتب إلى أبي موسى الأشعري : أما بعد ، فإن الأصبغ تكلف ما يخفى، وضيع ما ولي، فإذا جاءك كتابي هذا فلا تبايعوه، وإن مرض فلا تعودوه، وإن مات فلا تشهدوه .



---------------------


يبدوا  أن مطلع سور الذاريات والمرسلات والنازعت وجزءا من سورة عبس كانت من قرآن مسيلمة أولا قبل أن تضاف إلى القرآن الكريم بالتوافق طبعا. لا أجد تفسيرا أقرب إلى الحقيقة من هذا. لا يمكن للرواة أن يخاطروا بأنفسهم ويبوحوا بأكثر مما ذكروا . علينا أن نشكرهم على إشاراتهم وتلميحاتهم ثم نوظف العقل لاستنباط ما لم يصرحوا به.

في المفصل للدكتور جواد علي:


[وشهد "الرحال بن عنفوة" أن رسول الله أشركه، أي أشرك مسيلمة، في الأمر، فتبعه الناس. وكان "الرحال" قد تعلم سورا من القرآن، فنسب إلى "مسيلمة" بعض ما تعلم من القرآن،...].
ما هي هذه الآيات القرآنية التي كان الرحال ينسبها إلى مسيلمة ؟


---------------------

من سورة الذاريات:


وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا


فَالْحَامِلاتِ وِقْرًا


فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا


فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا


إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ


ومن سورة المرسلات:


وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا


فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا


وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا


فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا


فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا


عُذْرًا أَوْ نُذْرًا


إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ


ومن سورة النازعات :


وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا


وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا


وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا


فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا


فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا


يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ


تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ


وفي سورة عبس :


لْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ


أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا


ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا


فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا


وَعِنَبًا وَقَضْبًا


وَزَيْتُونًا وَنَخْلا


وَحَدَائِقَ غُلْبًا


وَفَاكِهَةً وَأَبًّا


مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ

---------------------

وإليك ما سبق أن ذكرته في "الرحمن علم القرآن":


ونسبوا إلى مسيلمة آيات منها:
[والشمس وضحاها، في ضوئها ومجلاها. والليل إذا دعاها، يطلبها ليغشاها، فأدركها حتى أتاها، وأطفأ نورها فمحاها.]
ومنها:
[سبح اسم ربك الأعلى، الذي يسر على الحبلى، فأخرج منها نسمة تسعى من بين أحشاء ومعى، فمنهم من يموت ويدس في الثرى، ومنهم من يعيش ويبقى إلى أجل ومنتهى، والله يعلم السرّ وأخفى، ولا تخفى عليه الآخرة والأولى].
 ومنها أيضا:
[اذكروا نعمة الله عليكم واشكروها؛ إذ جعل لكم الشمس سراجاً، والغيث ثجاجاً، وجعل لكم كباشًا ونعاجاً، وفضة وزجاجاً، وذهبا وديباجاً، ومن نعمته عليكم ان أخرج لكم من الأرض رماناً، وعنباً، وريحاناً، وحنطة و زؤانًا].
بالرغم من تحريفهم لكلامه يبدوا جليا أن الوحي كان يأتي لمسيلمة بآيات لا تقل جودة عن آيات القرآن الكريم. أما تشابه آياته مع آيات القرآن الكريم فراجع إلى كونهما يستقبلان الوحي من نفس المنابع. ومن الراجح جدا أن تكون الصيغة الأصلية لهذه الآيات قد نزلت على مسيلمة قبل أن ينزل مثلها على الرسول ص لأن الوحي بدأ بمسيلمة كما ذكرنا.
في القرآن الكريم:




ألَمْ نَجْعَلِ الأَرْض مِهَادًا، وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا، وَخَلَقْنَاكُم أَزْوَاجًا، وَجَعَلْنَا نَوْمَكُم سُبَاتًا، وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا، وَجَعَلْنَا النَّهَار مَعَاشًا، وَبَنَيْنَا فَوْقَكُم سَبْعًا شِدَادًا، وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا، وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجًا، لِنُخْرِج بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا، وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا.