27

هل استقبل الرسول مسيلمة وهل أشركه معه في الأمر ؟

نعم، بكل تأكيد.

في تاريخ الطبري :

 [حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال حدثني بعض علمائنا من أهل المدينة أن بني حنيفة أتت بمسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستره بالثياب ورسول الله جالس في أصحابه ومعه عسيب من سعف النخل في رأسه خوصات فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يسترونه بالثياب كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله لو سألتني هذا العسيب الذي في يدي ما أعطيتك].

[حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن شيخ من بني حنيفة من أهل اليمامة قال كان حديث مسيلمة على غير هذا زعم أن وفد بني حنيفة أتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم وخلفوا مسيلمة في رحالهم فلما أسلموا ذكروا له مكانه فقالوا يا رسول الله إنا قد خلفنا صاحبا لنا في رحالنا وركابنا يحفظهما لنا قال فأمر له رسول الله بمثل ما أمر به للقوم وقال أما إنه ليس بشركم مكانا يحفظ ضيعة أصحابه وذلك الذي يريد رسول الله قال ثم انصرفوا عن رسول الله وجاءوا مسيلمة بما أعطاه رسول الله فلما انتهى إلى اليمامة ارتد عدو الله وتنبأ وتكذب لهم وقال إني قد أشركت في الأمر معه وقال لوفده ألم يقل لكم رسول الله حيث ذكرتموني أما إنه ليس بشركم مكانا ما ذلك إلا لما كان يعلم أني قد أشركت معه ثم جعل يسجع السجعات ويقول لهم فيما يقول مضاهاة للقرآن لقد أنعم الله على الحبلى أخرج منها نسمة تسعى من بين صفاق وحشى ووضع عنهم الصلاة وأحل لهم الخمر والزنا ونحو ذلك فشهد لرسول الله صلى الله عليه و سلم أنه نبي فأصفقت بنو حنيفة على ذلك فالله أعلم أي ذلك كان.]

حديثان متناقضان لنفس الرواة، في الحديث الأول استقبل الرسول مسيلمة ودار بينهما حديث، وفي الثاني لم يجتمع معه.
الحديث الأول مرفوع إلى "بعض علمائنا من أهل المدينة"، مدينة الخيال!
الحديث الثاني مرفوع إلى شيخ نكرة من عالم الخيال!
وفي الأخير يقول الطبري : "فالله أعلم أي ذلك كان". انتهى إذن كل شيء.
 ولنا ملاحظات :

في الحديث الأول: 

أحضروه" ليكذبوا على الرسول ص الكذبة العظمى. قالوا بأن مسيلمة كَلَّم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله لو سألتني هذا العسيب الذي في يدي ما أعطيتك. يريدوننا أن نصدق أن مسيلمة طلب من الرسول أن يشركه في الأمر فرفض. والحقيقة أن مسيلمة كان مشتركا بالفعل مع الرسول في النبوءة منذ بداية البعثة، وكانت بينهما مودة كبيرة، ولما جاء مسيلمة بوفده استقبله الرسول ص بحفاوة كبيرة كإمام لبني حنيفة وأَقَرَّ بني حنيفة وإمامهم على ما هم عليه وسلم لهم أمرهم دينيا ودنيويا. مستحيل بأن يغدر محمد ص بمن كان شريكا معه روحانيا في النبوءة والذي بسببه نزلت سورة الرحمن علم القرآن، وآيات عديدة أخرى من القرآن الكريم. وقد ذكروا أن مؤذن مسيلمة كان يقول: أشهد أن محمدا ومسيلمة رسولَا الله، وكانوا يجعلون محمدا ومسيلمة سواء. وهذا يدل على الإنسجام التام الذي كان بينهما.

في الحديث الثاني:

 سيد القوم قطع المسافة كلها ولم يحضر ليبايع الرسول ص، بل بقى مع البهائم. جاء معهم من أجل حراسة أمتعتهم فقط. لم يجدوا من يحرس لهم أمتعتهم ويعتني بالبهائم إلا سيد القوم، تحقير ومحاولة لإنكار اشتراكه مع الرسول ص في رسالة واحدة، قالوا "إنا قد خلفنا صاحبا لنا"  فحطوه من مرتبة سيد القوم وقائدهم إلى مرتبة أحد الأصحاب، أي نكرة، الروايات الملفقة يفضح بعضها بعضا، هل يعقل أن يأتي سيد القوم مع وفده قاطعا المسافات من أجل لقاء الرسول وبيعته على الحكم ثم يتجنب أن يلتقي به ؟ لو كان ينوي عدم المبايعة لما جاء مع الوفد ولوجد له عذرا كالمرض أو كبر السن، فقد كان شيخا مسنا، أنظر كيف يفضح التاريخ الظالمين بلسانهم. في كلتا الروايتين لم يستطيعوا أن ينكروا مجيئه، لأن قدومه مع الوفد كان أمرا مشهورا لا يمكن نفيه.

في "صحيح" البخاري :
[حدثنا أبو اليمان: أخبرنا شعيب، عن عبد الله بن أبي حسين : حدثنا رافع بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
 قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يقول: إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته، وقَدِمها في بشر كثير من قومه، فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس، وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعة جريد، حتى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال: لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن تعدو أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله، وإني لأراك الذي أريت فيك ما رأيت.]
  من يكون أبو اليمان، ومن شعيب ومن عبد الله بن أبي حسين ومن نافع بن جبير؟ كل هؤلاء حدثوا أو أخبروا ولم يكتبوا شيئا، ثم رفع الإسناد لابن عباس من أجل التوقيع عليه، الحديث كذب في كذب، وإن لم تصدقني فاسأل ذاكرتك.
 إقرأ الحديث مرة أخرى ثم ضعه جانبا وحاول أن تستظهره، لن تستطيع، فما بالك بمرور السنين الطويلة، وهل الناس حريصون على حفظ كل هذه الأحاديث الطويلة التي رويت؟ هذا غير معقول، حتى وإن لم يكن لهم شغل آخر غير الحفظ. لو كانوا فعلا حريصين على الحديث لهذه الدرجة لما تخلفوا عن كتابته.